رسالة الحبر الاعظم لمدينة روما والعالم في احد قيامة السيد المسيح
لنرنم للرب، فهو مجيد حقا.
أيها الإخوة والأخوات،
أزف إليكم بشرى القيامة بهذه العبارات من الليتورجية التي تردد نشيد التسبيح القديم عند العبرانيين بعد عبورهم البحر الميت. يخبر سفر الخروج (15/19-21) أن العبرانيين حينما عبروا البحر إلى اليابسة وشاهدوا المصريين وقد غمرتهم المياه، رنمت مريم أخت موسى وهارون ونسوة أخريات نشيد الفرح هذا ورقصن على أنغامه: رنموا للرب وأشيدوا لانتصاره العجيب، فقد أغرق الحصان والفارس في البحر! في العشية الفصحية يردد المسيحيون في كل العالم هذا النشيد وصلاة خاصة تشرح معناه، وجعلناها مبتهجين صلاتنا في ضوء القيامة المجيدة..
بين لنا الإنجيل تحقيق التشابيه القديمة: فقد حرر الإنسان بموته وقيامته من العبودية الراديكالية أي الخطيئة، ومهد له الطريق نحو أرض الميعاد، ملكوت الله، ملكوت العدل والمحبة والسلام العام. يتم هذا الخروج قبل أي شيء في داخل الإنسان ذاته، على أساس ولادة جديدة بالروح القدس، نتيجة المعمودية التي وهبناها المسيح في سر الفصح. يخلي الإنسان القديم المكان للإنسان الجديد؛ غدت الحياة السالفة وراءه فيمكنه السير في حياة جديدة (روم 6/4). ولكن "الخروج" مبدأ تحرير شامل، قادر على تجديد كل بعد بشري، شخصي واجتماعي.
أجل أيها الإخوة، الفصح خلاص البشرية الحقيقي! لو لم يُرِق المسيح، حمل الله، دمَه عنا، لما كنا عرفنا أي رجاء، ولكان الموت مصيرنا ومصير العالم أجمع لا محالة. بيد أن الفصح قلب الانحراف: فقيامة المسيح خلق جديد شبيهة بطعم قادر على إحياء النبتة كلها. القيامة حدث عدل التوجه العميق للتاريخ، فأزاحه إلى ناحية الخير والحياة والغفران. لقد تحررنا وخلصنا!
لذلك نهتف من أعماق قلوبنا منشدين: رنموا للرب لأنه عظيم!
أرسل الشعب المسيحي الخارج من مياه العماد في العالم أجمع ليشهد للخلاص، ويحمل للجميع ثمرة القيامة التي تقوم على حياة جديدة متحررة من الخطيئة، استعادت رونقها الأصلي وصلاحها وحقها. لم ينقطع المسيحيون على مدى ألفيتين، وخصوصا القديسون، من إثراء إخصاب التاريخ بخبرة الفصح الحية. الكنيسة هي شعب الخروج لأنها تحيا بثبات السر الفصحي وتنشر قوته المجدّدة في كل زمان ومكان. وتحتاج البشرية حتى في أيامنا الحاضرة إلى "خروج"، لا لتموضع سطحي، بل إلى تبدل روحي وأخلاقي؛ تحتاج البشرية لخلاص الإنجيل للخروج من أزمة شديدة العمق تتطلب تغيرات عميقة بدءا من الضمائر.
في الشرق الأوسط وتحديدا في الأرض التي تقدست بموته وقيامته، أسأل الرب يسوع أن تحقق الشعوب "خروجا" حقيقيا ونهائيا من الحرب والعنف إلى السلام والمصالحة. وعلى مسامع الجماعات المسيحية التي تلاقي المحن والعذابات وخصوصا في العراق، يردد المسيح القائم كلمته المفعمة تعزية وتشجيعا التي وجهها لرسله في العلية: "السلام لكم!" (يو 20/21).
ٍمن أجل دول أمريكا اللاتينية والكاراييب التي تشهد انتكاسا خطيرا لجرائم متعلقة بتجارة المخدرات، كي تسجل قيامة الرب انتصار التعايش السلمي واحترام الخير العالم؛ ولكي يحقق شعب هايتي المحبوب الذي نكب جراء الزلزال المدمر، "خروجه" من الحداد واليأس إلى الرجاء الجديدن بدعم من التكافل الدولي؛ ولكي يواجه مواطنو تشيلي المحبوبون الذين أركعتهم كارثة طبيعية أخرى، بدعم الإيمان وبحزم كبير عملية إعادة الإعمار.
لكيما، بقوة يسوع القائم من الموت، يوضع حد للنزاعات التي ما انفكت تسبب دمارا وعذابا في أفريقيا، ويتوصل إلى ذلك السلام وتلك المصالحة، ضمانتي النمو. وأوكل للرب بنوع خاص مستقبل جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا ونيجيريا.
ليعضد المسيح القائم المسيحيين الذين يعانون لأجل إيمانهم الاضطهاد وحتى الموت كما في باكستان. والدول التي ينهشها الإرهاب والتمييز الاجتماعي والديني، ليمنحها الرب قوة لسلوك دروب حوار وتعايش هادئ. ولتهب قيامة المسيح نورا وقوة إلى قادة الأمم، كيما تتوجه العملية الاقتصادية والمالية حسب معايير الحقيقة والعدالة والعون الأخوي. ليوشح جبروت قيامة المسيح الخلاصية البشرية برمتها، كي تتخطى المشاعر العديدة والدرامية "لحضارة الموت" الآخذة بالانتشار، وتؤسس لغد من المحبة والحقيقة تحترم فيها وتقبل كل حياة بشرية.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! لا تؤتي القيامة أي عمل سحري. كما وجد الشعب العبراني الصحراء خارج البحر الميت، تلتقي الكنيسة، التاريخ دوما بأفراحه وآماله، بآلامه وقلقه، بعد القيامة. وبأي حال، تغير هذا التاريخ لأنه طبع بعهد جديد وأبدي وانفتح حقيقة على المستقبل. ولهذا نواصل حجنا ونحن مخلصون بالرجاء، حاملين في القلب النشيد الجديد والعتيق: "رنموا للرب فهو مجيد حقا!".
Comments
Post a Comment